أساسيات البيتكوين في 29 سبتمبر 2025: نظرة متفائلة بحذر
مع نهاية شهر سبتمبر 2025، يمتلئ سوق البيتكوين بذلك المزيج المألوف والمحتدم من الإثارة وعدم اليقين الذي طالما ميز هذه العملة الرائدة. تخيل أنك تحدق في شاشة الأسعار، تشاهد BTC يتأرجح حول 112,187 دولارًا أمريكيًا – ليس بعيدًا عن قممه الأخيرة فوق 120,000 دولار، ولكنه منخفض بما يكفي ليثير التساؤلات. هل هذه فرصة لشراء الانخفاض، أم الهدوء الذي يسبق عاصفة؟ بصفتي متابعًا لأسواق العملات المشفرة لسنوات، أؤكد أن القصة الحقيقية تكمن في الأساسيات العميقة للسوق. لا يتعلق الأمر فقط بالخطوط المتعرجة على الرسوم البيانية الفنية، بل بالتيارات الخفية التي تحرك السوق: تدفقات رؤوس الأموال المؤسسية، والإشارات الحيوية الصادرة عن السلسلة (On-Chain)، وحتى أحدث تحركات وتصريحات الاحتياطي الفيدرالي. إن فهم هذه العوامل الأساسية هو ما يوفر سياقًا حقيقيًا لحركة السعر.
# 1. لمحة عن السوق: التماسك والمستويات الفنية
دعونا نبدأ بلقطة سريعة لوضع السوق الحالي. استقر سعر البيتكوين في حالة من الهدوء المؤقت بعد صيف مليء بالتقلبات الشديدة. في 29 سبتمبر، يظهر BTC تماسكًا في منطقة تتراوح بين 109,500 و115,000 دولار أمريكي. هذا التماسك يحدد منطقة حرجة: حيث يقع الدعم الرئيسي عند 106,000 دولار، وهو بمثابة أرضية نفسية وفنية قوية، بينما تحد المقاومة من الصعود في النطاق من 113,000 إلى 115,000 دولار. هذا الاستقرار، الذي يحدث في شهر سبتمبر، والذي يعتبر تاريخيًا شهرًا ضعيفًا لأسعار البيتكوين، هو أمر يستحق الاهتمام. يهمس بعض المحللين المتفائلين بأنه يمكن أن يسجل أفضل أداء شهري على الإطلاق للبيتكوين في سبتمبر، مستهدفًا الوصول إلى 128,000 دولار بحلول نهاية الشهر. ولكن ما هي القوة التي تغذي هذا التفاؤل؟ جزء كبير منها يعود إلى تدفقات الصناديق المتداولة في البورصة (ETF) الخاصة بالبيتكوين.
# 2. دور صناديق ETF وتدفقات رأس المال المؤسسي
تعتبر التدفقات الداخلة إلى صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة (ETFs) حجر الزاوية في أي تحليل أساسي سليم. هذه الصناديق هي القناة الرئيسية التي من خلالها يدخل رأس المال المؤسسي الضخم إلى النظام البيئي للبيتكوين. في الأسبوع المنتهي في 25 سبتمبر، شهدت صناديق ETF صافي تدفق خارج قدره 253.4 مليون دولار أمريكي، مدفوعًا بشكل رئيسي بعمليات الاسترداد من صندوق FBTC التابع لـ Fidelity وصندوق GBTC التابع لـ Grayscale. تُفسَّر تدفقات GBTC الخارجة عادةً على أنها عمليات جني أرباح من قبل المستثمرين الأوائل الذين يخرجون من الصندوق بعد فترة طويلة من حجز رؤوس أموالهم. ومع ذلك، خالف صندوق IBIT التابع لـ BlackRock هذا الاتجاه بتسجيل تدفقات داخلة بلغت 79.7 مليون دولار أمريكي، مما يرسم صورة للثقة المؤسسية المتواصلة. بشكل إجمالي، تجاوزت إجماليات التدفقات الأسبوعية الأخيرة مبلغًا ضخمًا قدره 887 مليون دولار أمريكي. إذا استمر هذا الاتجاه في الطلب المؤسسي، فإنه سيولد ضغطًا تصاعديًا كبيرًا على السعر. استمرار هذا النوع من الشراء من قبل كيانات مالية كبرى يشير إلى أنها لا ترى البيتكوين كظاهرة عابرة، بل كمكون دائم وأساسي في محافظها الاستثمارية المتنوعة.
# 3. مؤشرات السلسلة: صحة الشبكة والقيمة الحقيقية
تُعد مؤشرات السلسلة بمثابة نبض شبكة البيتكوين، حيث توفر نظرة شفافة على صحتها التشغيلية واستخدامها الفعلي. وصل معدل التجزئة (Hash Rate) لشبكة البيتكوين في سبتمبر 2025 إلى مستويات قياسية جديدة على الإطلاق. معدل التجزئة المرتفع هو مؤشر قوي على أمان الشبكة ونمو تبنيها، ويعكس استثمارًا هائلاً من قبل القائمين بالتعدين وثقة كبيرة في المستقبل طويل الأمد للبيتكوين. كما ارتفع عدد العناوين النشطة (Active Addresses)، مما يشير إلى قاعدة مستخدمين أوسع وأكثر تفاعلاً. ورغم أن أحجام المعاملات أدت إلى بقاء الرسوم منخفضة نسبيًا (أقل من 150 دولارًا منذ أغسطس)، فهذه إشارة إلى المنفعة الحقيقية للشبكة، وليس مجرد المضاربة. يتم استخدام البيتكوين في تطبيقات واقعية مثل Wrapped BTC والتطبيقات الأصلية (Native Apps)، مما يؤكد دوره كشبكة مالية عملية. ومن العوامل الأساسية الأخرى التي تزيد من ندرة البيتكوين: أن ما يقدر بـ 72% من إجمالي عرض البيتكوين أصبح الآن غير سائل (illiquid)، أي أنه تم سحبه من منصات التداول ويتم الاحتفاظ به في محافظ تخزين طويلة الأجل. هذا يضخم بشكل كبير عامل الندرة (scarcity). بعد حدث التنصيف (Halving) في أبريل 2024، انخفض معدل النمو السنوي للعرض إلى 0.85% فقط. هذا التضاؤل في العرض المقترن بالطلب المؤسسي المتزايد يعزز مكانة البيتكوين كـ «الذهب الرقمي» النهائي ومخزن للقيمة متفوق على المدى الطويل. ومع ذلك، يظل السؤال المحوري هو: هل تترجم هذه المؤشرات القوية على السلسلة دائمًا بشكل فوري إلى زيادة في السعر، أم أنها تشكل ضجيجًا خلفيًا داعمًا؟ التاريخ يثبت أن قوة الأساسيات الشبكية لها تأثير حتمي على مسار السعر على المدى الطويل.
# 4. الرياح الكلية: السيولة العالمية وتأثير الاحتياطي الفيدرالي
لا يمكن تجاهل العوامل الكلية التي تؤثر على جميع فئات الأصول. في 17 سبتمبر، قام الاحتياطي الفيدرالي (The Fed) بتخفيض سعر الفائدة بمقدار 0.25%، ليصل النطاق المستهدف إلى 4.00-4.25% – وهو أول تخفيض في العام. جاء هذا الإجراء في خضم بيانات وظائف ضعيفة ومخاوف مستمرة بشأن التضخم. تُعتبر أسعار الفائدة المنخفضة تقليديًا إيجابية للأصول عالية المخاطر مثل البيتكوين، لأنها تقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالأصول التي لا تدر عائدًا (مثل البيتكوين) وتزيد من شهية المخاطرة. ومع ذلك، جاءت بيانات تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) في أغسطس أعلى قليلاً من المتوقع، حيث من المتوقع أن يصل التضخم الأساسي إلى 3.1% لعام 2025. هذا يمكن أن يشكل ضغطًا سلبيًا؛ فالتضخم المرتفع يعزز جاذبية البيتكوين كتحوط ضد التضخم، ولكن أي تحول تشددي (Hawkish) في موقف الاحتياطي الفيدرالي قد يثير الذعر في الأسواق. على الصعيد العالمي، تضخم العرض النقدي العالمي M2 إلى 112 تريليون دولار أمريكي في عام 2025. إن وجود علاقة ارتباط قوية بلغت 0.78 بين هذا المقياس للسيولة وسعر BTC يؤكد أن السيولة العالمية هي العامل الحاسم في تحديد مسار سوق العملات المشفرة؛ فكلما زادت الأموال المتاحة في النظام، زادت احتمالية تدفقها إلى أصول نادرة وعالية العائد مثل البيتكوين.
# 5. التسارع في التبني المؤسسي والوضوح التنظيمي
يشهد التبني المؤسسي والوضوح التنظيمي تسارعًا ملحوظًا. تواصل الشركات الرائدة مثل MicroStrategy استراتيجيتها في تكديس البيتكوين. والأكثر أهمية هو دخول الكيانات الحكومية والسيادية إلى الساحة – على سبيل المثال، التكهنات حول وجود احتياطي البيتكوين الاستراتيجي الأمريكي الذي يحتفظ بما يزيد عن 200,000 BTC. هذه التطورات لا تزيد من شرعية البيتكوين فحسب، بل تخلق أيضًا أرضية طلب قوية وضخمة. أصبحت الأطر التنظيمية أيضًا أكثر وضوحًا؛ حيث قامت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) بتقصير الفترة الزمنية القياسية للموافقة على صناديق ETF إلى 75 يومًا، مما يسهل بشكل كبير دخول رأس المال. ومع ذلك، تظل المخاطر قائمة: التقلبات الجيوسياسية، مثل النزاعات التجارية المتصاعدة أو التوترات الإقليمية، يمكن أن تقلب الطاولة على الفور. ومن الحقائق التاريخية المثيرة للاهتمام أن سعر البيتكوين يرتفع في 70% من السنوات بعد تاريخ 21 سبتمبر، بمتوسط مكاسب قدره 50%. هل سيكون عام 2025 استثناءً؟ في حين أن هذه الإحصائيات مشجعة، يجب أن تُفهم على أنها سياق داعم، وليست ضمانات مطلقة.
# الخلاصة والتوقعات السعرية
باختصار، تتجه الأدلة الأساسية بقوة نحو التفاؤل: الطلب القوي على صناديق ETF، والقوة الهيكلية لمؤشرات السلسلة (معدل تجزئة قياسي، ندرة في السيولة)، والرياح المواتية للسياسة النقدية (تخفيض أسعار الفائدة الأول). ومع ذلك، فإن التدفقات الخارجة المؤقتة في سبتمبر والمخاوف التضخمية تتطلب الحذر. من الناحية الفنية، يقترب مؤشر القوة النسبية (RSI) من منطقة البيع المفرط (oversold)، مما يشير إلى أن هناك أرضية فنية لارتداد صعودي وشيك. إن الاختراق الحاسم والمستدام فوق مستوى المقاومة عند 115,000 دولار يمكن أن يدفع السعر نحو 118,000 دولار، ومن ثم يفتح الباب أمام تحقيق هدف 128,000 دولار بنهاية الربع. في المقابل، فإن الانهيار تحت مستوى الدعم الحاسم عند 106,000 دولار سيكون إشارة خطر فنية رئيسية. في حين يتوقع بعض المحللين الوصول إلى 155,000 دولار بحلول نهاية عام 2025، فإنني أرى أن النطاق الأكثر واقعية وموثوقية في المدى القريب والمتوسط هو بين 120,000 و130,000 دولار أمريكي.
خلاصة القول: في 29 سبتمبر 2025، يقف البيتكوين على أعتاب الربع الرابع (Q4)، وهي فترة تتسم تاريخيًا بموسمية صعودية قوية. بالنظر إلى هذه العوامل الدافعة القوية، فإن الفرص في السوق وفيرة. النصيحة العملية للمستثمرين: تنويع المحفظة الاستثمارية، ومراقبة المستويات الرئيسية للسعر عن كثب، والتفكير دائمًا باستراتيجية الحيازة طويلة الأجل (HODL). الأسواق بطبيعتها مفاجئة وغير قابلة للتنبؤ، ولكن الفهم العميق للأساسيات يظل هو البوصلة الأكثر موثوقية للإبحار في فئة الأصول المتقلبة والمستقبلية هذه. الصبر والبصيرة الأساسية هما أغلى أصولك.